الشهيد غالب عوالي
________________________________________
نبذة عن حياة الشهيد و كيفية استشهاده و توصيف عن يوم تشييعه.
محل وتاريخ الولادة: تولين العام 1962. متزوج وله خمسة أولاد هم: كوثر (15 عاماً)، بتول (13 عاماً)، جنان (11 عاماً)، محمد (8 اعوام) وعلي (4 أعوام). بدأ عمله الجهاد العام 1982، وشارك في العديد من العمليات العسكرية ضد العدو الاسرائيلي، وقاد العديد منها في صفوف كل من «المقاومة المؤمنة» و«المقاومة الاسلامية». تعرض للأسر من قبل العدو الاسرائيلي إبان فترة الاحتلال العام 1982. شارك في العديد من الدورات العسكرية العليا والدورات الثقافية والادارية.
عند الساعة الثامنة والنصف من صباح الاثنين الواقع في 19 تموز (يوليو) 2004، اغتيل غالب عوالي (41 عاماً)، أحد كوادر حزب الله اللبناني في انفجار عبوة ناسفة زرعها مجهولون تحت سيارته في حي معوض في ضاحية بيروت الجنوبية. وفي جنازة الشهيد التي جرت في بلدة تولين في جنوب لبنان، ردد آلاف المشيعين هتافات مؤيدة لحزب الله ولوحوا بأعلامه. وقال أحد الأشخاص الذين تقدموا الجنازة: «ارفعوا اصواتكم حتى تكون مسموعة في اسرائيل». وجاء اغتيال عوالي بعد عام على اغتيال أحد كوادر الحزب علي صالح في المنطقة نفسها وبالطريقة ذاتها.
اغتيال عوالي، وان جاء في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط تغييرات جذرية واستحقاقات مصيرية، الا انه سلط الضوء على جوانب اكثر انسانية في قضية لا يراها كثيرون خارج اطار المقاومة والاحتلال. جانب يختص بأفراد تحولوا بين ليلة وضحاها الى «عائلة الشهيد»، وقرية كانت حتى الأمس القريب مجهولة، على رغم المآسي التي تعرضت لها على امتداد السنوات والاجتياحات المتكررة، بدءاً من اجتياح العام 1972 الذي لا يذكره الا قليلون، مروراً ياجتياح العام 1978، وصولاً الى العام 1982، وما يتوسط هذه التواريخ من نكبات.
”المنطقة المحررة. ادخولها بسلام آمنين”
الأبنية في عمق الجنوب تكتسب طابعا اخر. لم يتعد عمر معظمها الأربع سنوات، فبدت حديثة بالغ أصحابها في زخرفتها، ما يبرز تناقضاً مع الأبنية القديمة التي ظلت شاهداً على مراحل متفرقة من الاحتلال والتهجير. عربات الفاكهة والخضراوات و«بسطات» الخضار تتخذ من جانبي الطريق سوقا عاماً، ومع التقدم التدريجي نحو الداخل تنعدم الأبنية المتجاورة لتحل محلها أبنية متفرقة، ومواقع رفعت عليها رايات «حزب الله» الصفراء بعدما كانت مواقع عسكرية اسرائيلية.
”ضيوف على الحياة”
أشجار زيتون، تبغ، وقرية تخالها خالية.
«غالب غلبتهم وفزت عليهم فوزا عظيماً»... «قسما أيها الغالب المنتصر سنحفظ العهد والولاء»... «دماؤك يا شيخ غالب ستنتصر على سيفهم الحاقد»، وغيرها من عبارات خطت على أقمشة سوداء، ترافق زائر قرية تولين، وترشد المعزين او «المباركين بالشهادة» الى منزل العائلة. مجموعة قليلة من النساء المتشحات بالسواد، تحطن بأم الفقيد وزوجته وأخواته. لا صراخ ولا عويل يسمع. «نحن ضيوف على الحياة، و الشهيد أدى واجبه على أكمل وجه، فهنيئاً له الشهادة»، تقول زوجة الشهيد فيما تعلو وجهها ملامح ايمان حزين بقضاء الله وقدره. «كان الأمر متوقعاً لكن الصعوبة تكمن في تقبل فكرة فراق الشهيد الذي تمسك بخط رسمه النبي (ص) والأئمة من قبله»، تضيف مؤكدة ثباتها واولادها على خط المقاومة فـ«عقيدتنا هي: النصر أو الشهادة».
وعلى رغم عدم تخطي الزوجة الثلاثينيات من العمر، فإنها كانت تعلم منذ بداية زواجها، أي منذ 81 عاماً، انه سيأتي اليوم الذي ينعم فيه زوجها بالشهادة، مفاخرة بأنها اختارته «أصلاً لأنه كان يتبع خط المقاومة». لم تكن ترى في زوجها مخلوقا عاديا بل «انسانيا مثالياً، لأن الشهيد لا يكون عادياً»، تشيد بتعامله معها كزوجة، ومع أولاده وجيرانه، اذ كان «مميزا في اخلاقه وثقافته وأدبه وقوة حجته أثناء النقاش ودقة ملاحظته...».
تؤكد التزامها بتربية اولادها على نهج المقاومة، «لن انتظر اليوم الذي سيأتي فيه اولادي ليخبرونني انهم انضووا تحت لواء المقاومة. انا ادفعهم منذ الطفولة لسلوك هذا الطريق».
كوثر، ابنة الشهيد الكبرى، تخفي وراء زرقة عينيها التي زاد من بروزها الحجاب الأسود والعباءة، ثقة لا تهتز بخيار الوالد وتمسكا بمعايير جعلت منه مثلا اعلى بالنسبة إليها.
«لم يكن يرسم لنا خطوطا دقيقة للأشياء في الدنيا. كان يؤمن بأن هناك غرض إلهي من وجودنا في الحياة ويجب تحقيقه»، تفاخر بشهادة والدها الذي علمها واخوتها «الحفاظ» على دينهم، «لأن الدنيا كلها خلقت حتى نحافظ على ديننا».
تتمنى عندما يكبر اخوتها ان «يكونوا مثل ابيهم. حتى اولادي لا افكر في تربيتهم بطريقة تختلف عن تلك التي رباني عليها أبي».
تولين: قرية الشهيد
«نعزي صاحب العصر و الزمان والإمام الخامنئي باستشهاد القائد غالب محمد عوالي»، لافتة نصبت على مدخل منزل يبعد عشرين متراً عن الأول. تحيط باللافتة صورة للخميني وأخرى للخامنئي.
كان مالك، شقيق الشهيد صغيرا عندما اجتاحت الدبابات الاسرائيلية تولين للمرة الأولى العام 2791. كانت المنطقة تؤوي مراكز لمنظمات فلسطينة واحزاب يسارية. استمر الاجتياح ليومين سقط خلاهما شهيدان للمقاومة الفلسطينية، بعدما نصبا كمينا لآلية عسكرية اسرائيلية، تماما تحت المنزل الذي تسكنه عائلة عوالي اليوم. الاجتياح لم يوفر المدنيين ايضاً، اذ دهست دبابات اسرائيلية سيارة اسعاف كانت تقل ثمانية جرحى الى مستشفى صور.
اجتياح العام 1978، يذكره مالك بوضوح اكثر، «تماماً مثل مشهد من فيلم سينمائي»، يقول. عندما دخل الاسرائيليون تولين للمرة الثانية، لم يسقط شهداء، لكن دمرت كثير من منازل المقاومين. ولم تقتصر معاناة «قرية الشهيد» على أيام الاجتياحات المتلاحقة، اذ سقط في الفترة بين العامين 1978 1982، الكثير من الشهداء اما بسبب عمليات نسف منازل لغمها الصهاينة وعملاؤهم في المنطقة، او نتيجة القصف وعمليات المقاومة. من دون ان تغيب عن الذاكرة عمليات الكومندوس، كالتي حصلت قبل العام 28 بقليل، حين تسللت فرقة اسرائيلية الى تولين، ودمرت ثلاثة منازل، واعتقلت عددا من المواطنين ردا على عملية في نهاريا.
مالك اليوم يبلغ الاربعينيات من العمر، ثيابه السوداء ولحيته الخفيفة زادت من ملامح حزن حاول جاهدا اخفاءه فهو «أخ الشهيد الذي يستحق التهنئة (المباركة) وليس التعزية».
تطفو على وجهه ابتسام حزينة وهو يتذكر الفترة بعد العام 1982، تاريخ التحاق الشهيد بالمقاومة، في شباط - فبراير - 1983 اعتقل عوالي، أثناء زرعه عبوة ناسفة على طريق الناقورة المحتلة، نقل بعدها الى معتقل أنصار، حيث تعرف على احد مؤسسي حركة «المقاومة المؤمنة» بعد فترة اطلق سراح الاسير ورفاقه في عملية تبادل مع العدو. بعد خروجه من الاسر اتصل غالب برفاق المعتقل، وافتتحوا اول مركز لـ«المقاومة المؤمنة» في بلدة حومين، نقل الى الصرفند ثم الى البرج الشمالي في صور، بعد تعرضه الى عملية كومندوس سقط على اثرها 51 مقاوماً، فيما نجا عوالي «في حزيران 1985، حررت «المقاومة المؤمنة» موقع التامرية، في عملية نفذها غالب... «كان الشهيد ينفذ الكثير من العمليات بنفسه»، يقول مالك مفاخراً. بين العامين 1987 198 دب الخلاف بين حركتي «امل» و«المقاومة المؤمنية»، واتهمت عائلة عوالي بالتنسيق مع «حزب الله». سافر الشهيد لأشهر عدة الى ليبيا للعمل في احدى الشركات، وعاد بعدها الى لبنان بسبب «ايمانه بضرورة استمرار المقاومة». في اواخر العام 1989 انضوى تحت لواء «حزب الله» مصمماً على متابعة قتال اسرائيل، في هذه المرحلة تحولت تولين الى منطقة محررة، ولكن «خط نار» تتعرض للقصف الاسرائيلي المكثف كلما وقعت عملية مقاومة في واحدة من مناطق الجوار. «الخميس الماضي (آخر خميس قبل الاغتيال) كانت آخر زيارة له الى تولين»، يقول مالك.
ابن القرية البار
«نحن أهل ضيعته لم نكن نعرف انه مهم في المقاومة الى هذه الدرجة، حتى وزير الدفاع الاسرائيلي تحدث عن أهميته». هذه العبارات لم تكن الا جانبا من احاديث كثيرة تدور في قرية الشهيد.
أحد أبناء القرية لم يجد تسلية في طريق عودته الى بيروت حيث يعمل، افضل من رواية ما يعرفه عن الشهيد على مسمع ركاب سيارة الأجرة الآخرين «رأيته اكثر من مرة يحمل صاروخ سام على كتفه، ويطلقه باتجاه الطائرات الاسرائيلية»، يقول مضيفاً: «كان الشهيد يزور اهل القرية، من كان منهم مريضا او تعرض لمصيبة. كان متواضعا وذا اخلاق حسنة... يجب ان يؤتى بأمثاله الى الحكم».
يعيد تفاصيل حادثة الاغتيال، ويردد: «عندما حمله قريب لنا الى المستشفى كان لا يزال حياً. فتح عينيه وقال: الآن وصلت. واغمضهما للمرة الأخيرة».
نصر الله: سنقطع ايدي عملاء الداخل
حمّل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله العدو الصهيوني مسؤولية اغتيال عوالي، إما بأيدي اسرائيليين تسللوا الى لبنان يجوازات سفر اوروبية او اميركية واجنبية، واما بأيدي عملاء لبنانيين محليين.
واكد ان الحزب سيقطع الأيدي الاسرائيلية وايدي العملاء في الداخل، معتبراً في تشييع عوالي ان لبنان «يملأه العملاء من الحدود الى الحدود»، مشيراً الى «تغطية سياسية للكثيرين منهم». وقال: «ارجو ألا يأتي يوم اضطر فيه الى تسمية أسماء كبار في لبنان يتصلون بالمحكمة العسكرية من اجل اطلاق سراح عملاء».
نبذة عن غالب محمد عوالي:
________________________________________
نبذة عن حياة الشهيد و كيفية استشهاده و توصيف عن يوم تشييعه.
محل وتاريخ الولادة: تولين العام 1962. متزوج وله خمسة أولاد هم: كوثر (15 عاماً)، بتول (13 عاماً)، جنان (11 عاماً)، محمد (8 اعوام) وعلي (4 أعوام). بدأ عمله الجهاد العام 1982، وشارك في العديد من العمليات العسكرية ضد العدو الاسرائيلي، وقاد العديد منها في صفوف كل من «المقاومة المؤمنة» و«المقاومة الاسلامية». تعرض للأسر من قبل العدو الاسرائيلي إبان فترة الاحتلال العام 1982. شارك في العديد من الدورات العسكرية العليا والدورات الثقافية والادارية.
عند الساعة الثامنة والنصف من صباح الاثنين الواقع في 19 تموز (يوليو) 2004، اغتيل غالب عوالي (41 عاماً)، أحد كوادر حزب الله اللبناني في انفجار عبوة ناسفة زرعها مجهولون تحت سيارته في حي معوض في ضاحية بيروت الجنوبية. وفي جنازة الشهيد التي جرت في بلدة تولين في جنوب لبنان، ردد آلاف المشيعين هتافات مؤيدة لحزب الله ولوحوا بأعلامه. وقال أحد الأشخاص الذين تقدموا الجنازة: «ارفعوا اصواتكم حتى تكون مسموعة في اسرائيل». وجاء اغتيال عوالي بعد عام على اغتيال أحد كوادر الحزب علي صالح في المنطقة نفسها وبالطريقة ذاتها.
اغتيال عوالي، وان جاء في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط تغييرات جذرية واستحقاقات مصيرية، الا انه سلط الضوء على جوانب اكثر انسانية في قضية لا يراها كثيرون خارج اطار المقاومة والاحتلال. جانب يختص بأفراد تحولوا بين ليلة وضحاها الى «عائلة الشهيد»، وقرية كانت حتى الأمس القريب مجهولة، على رغم المآسي التي تعرضت لها على امتداد السنوات والاجتياحات المتكررة، بدءاً من اجتياح العام 1972 الذي لا يذكره الا قليلون، مروراً ياجتياح العام 1978، وصولاً الى العام 1982، وما يتوسط هذه التواريخ من نكبات.
”المنطقة المحررة. ادخولها بسلام آمنين”
الأبنية في عمق الجنوب تكتسب طابعا اخر. لم يتعد عمر معظمها الأربع سنوات، فبدت حديثة بالغ أصحابها في زخرفتها، ما يبرز تناقضاً مع الأبنية القديمة التي ظلت شاهداً على مراحل متفرقة من الاحتلال والتهجير. عربات الفاكهة والخضراوات و«بسطات» الخضار تتخذ من جانبي الطريق سوقا عاماً، ومع التقدم التدريجي نحو الداخل تنعدم الأبنية المتجاورة لتحل محلها أبنية متفرقة، ومواقع رفعت عليها رايات «حزب الله» الصفراء بعدما كانت مواقع عسكرية اسرائيلية.
”ضيوف على الحياة”
أشجار زيتون، تبغ، وقرية تخالها خالية.
«غالب غلبتهم وفزت عليهم فوزا عظيماً»... «قسما أيها الغالب المنتصر سنحفظ العهد والولاء»... «دماؤك يا شيخ غالب ستنتصر على سيفهم الحاقد»، وغيرها من عبارات خطت على أقمشة سوداء، ترافق زائر قرية تولين، وترشد المعزين او «المباركين بالشهادة» الى منزل العائلة. مجموعة قليلة من النساء المتشحات بالسواد، تحطن بأم الفقيد وزوجته وأخواته. لا صراخ ولا عويل يسمع. «نحن ضيوف على الحياة، و الشهيد أدى واجبه على أكمل وجه، فهنيئاً له الشهادة»، تقول زوجة الشهيد فيما تعلو وجهها ملامح ايمان حزين بقضاء الله وقدره. «كان الأمر متوقعاً لكن الصعوبة تكمن في تقبل فكرة فراق الشهيد الذي تمسك بخط رسمه النبي (ص) والأئمة من قبله»، تضيف مؤكدة ثباتها واولادها على خط المقاومة فـ«عقيدتنا هي: النصر أو الشهادة».
وعلى رغم عدم تخطي الزوجة الثلاثينيات من العمر، فإنها كانت تعلم منذ بداية زواجها، أي منذ 81 عاماً، انه سيأتي اليوم الذي ينعم فيه زوجها بالشهادة، مفاخرة بأنها اختارته «أصلاً لأنه كان يتبع خط المقاومة». لم تكن ترى في زوجها مخلوقا عاديا بل «انسانيا مثالياً، لأن الشهيد لا يكون عادياً»، تشيد بتعامله معها كزوجة، ومع أولاده وجيرانه، اذ كان «مميزا في اخلاقه وثقافته وأدبه وقوة حجته أثناء النقاش ودقة ملاحظته...».
تؤكد التزامها بتربية اولادها على نهج المقاومة، «لن انتظر اليوم الذي سيأتي فيه اولادي ليخبرونني انهم انضووا تحت لواء المقاومة. انا ادفعهم منذ الطفولة لسلوك هذا الطريق».
كوثر، ابنة الشهيد الكبرى، تخفي وراء زرقة عينيها التي زاد من بروزها الحجاب الأسود والعباءة، ثقة لا تهتز بخيار الوالد وتمسكا بمعايير جعلت منه مثلا اعلى بالنسبة إليها.
«لم يكن يرسم لنا خطوطا دقيقة للأشياء في الدنيا. كان يؤمن بأن هناك غرض إلهي من وجودنا في الحياة ويجب تحقيقه»، تفاخر بشهادة والدها الذي علمها واخوتها «الحفاظ» على دينهم، «لأن الدنيا كلها خلقت حتى نحافظ على ديننا».
تتمنى عندما يكبر اخوتها ان «يكونوا مثل ابيهم. حتى اولادي لا افكر في تربيتهم بطريقة تختلف عن تلك التي رباني عليها أبي».
تولين: قرية الشهيد
«نعزي صاحب العصر و الزمان والإمام الخامنئي باستشهاد القائد غالب محمد عوالي»، لافتة نصبت على مدخل منزل يبعد عشرين متراً عن الأول. تحيط باللافتة صورة للخميني وأخرى للخامنئي.
كان مالك، شقيق الشهيد صغيرا عندما اجتاحت الدبابات الاسرائيلية تولين للمرة الأولى العام 2791. كانت المنطقة تؤوي مراكز لمنظمات فلسطينة واحزاب يسارية. استمر الاجتياح ليومين سقط خلاهما شهيدان للمقاومة الفلسطينية، بعدما نصبا كمينا لآلية عسكرية اسرائيلية، تماما تحت المنزل الذي تسكنه عائلة عوالي اليوم. الاجتياح لم يوفر المدنيين ايضاً، اذ دهست دبابات اسرائيلية سيارة اسعاف كانت تقل ثمانية جرحى الى مستشفى صور.
اجتياح العام 1978، يذكره مالك بوضوح اكثر، «تماماً مثل مشهد من فيلم سينمائي»، يقول. عندما دخل الاسرائيليون تولين للمرة الثانية، لم يسقط شهداء، لكن دمرت كثير من منازل المقاومين. ولم تقتصر معاناة «قرية الشهيد» على أيام الاجتياحات المتلاحقة، اذ سقط في الفترة بين العامين 1978 1982، الكثير من الشهداء اما بسبب عمليات نسف منازل لغمها الصهاينة وعملاؤهم في المنطقة، او نتيجة القصف وعمليات المقاومة. من دون ان تغيب عن الذاكرة عمليات الكومندوس، كالتي حصلت قبل العام 28 بقليل، حين تسللت فرقة اسرائيلية الى تولين، ودمرت ثلاثة منازل، واعتقلت عددا من المواطنين ردا على عملية في نهاريا.
مالك اليوم يبلغ الاربعينيات من العمر، ثيابه السوداء ولحيته الخفيفة زادت من ملامح حزن حاول جاهدا اخفاءه فهو «أخ الشهيد الذي يستحق التهنئة (المباركة) وليس التعزية».
تطفو على وجهه ابتسام حزينة وهو يتذكر الفترة بعد العام 1982، تاريخ التحاق الشهيد بالمقاومة، في شباط - فبراير - 1983 اعتقل عوالي، أثناء زرعه عبوة ناسفة على طريق الناقورة المحتلة، نقل بعدها الى معتقل أنصار، حيث تعرف على احد مؤسسي حركة «المقاومة المؤمنة» بعد فترة اطلق سراح الاسير ورفاقه في عملية تبادل مع العدو. بعد خروجه من الاسر اتصل غالب برفاق المعتقل، وافتتحوا اول مركز لـ«المقاومة المؤمنة» في بلدة حومين، نقل الى الصرفند ثم الى البرج الشمالي في صور، بعد تعرضه الى عملية كومندوس سقط على اثرها 51 مقاوماً، فيما نجا عوالي «في حزيران 1985، حررت «المقاومة المؤمنة» موقع التامرية، في عملية نفذها غالب... «كان الشهيد ينفذ الكثير من العمليات بنفسه»، يقول مالك مفاخراً. بين العامين 1987 198 دب الخلاف بين حركتي «امل» و«المقاومة المؤمنية»، واتهمت عائلة عوالي بالتنسيق مع «حزب الله». سافر الشهيد لأشهر عدة الى ليبيا للعمل في احدى الشركات، وعاد بعدها الى لبنان بسبب «ايمانه بضرورة استمرار المقاومة». في اواخر العام 1989 انضوى تحت لواء «حزب الله» مصمماً على متابعة قتال اسرائيل، في هذه المرحلة تحولت تولين الى منطقة محررة، ولكن «خط نار» تتعرض للقصف الاسرائيلي المكثف كلما وقعت عملية مقاومة في واحدة من مناطق الجوار. «الخميس الماضي (آخر خميس قبل الاغتيال) كانت آخر زيارة له الى تولين»، يقول مالك.
ابن القرية البار
«نحن أهل ضيعته لم نكن نعرف انه مهم في المقاومة الى هذه الدرجة، حتى وزير الدفاع الاسرائيلي تحدث عن أهميته». هذه العبارات لم تكن الا جانبا من احاديث كثيرة تدور في قرية الشهيد.
أحد أبناء القرية لم يجد تسلية في طريق عودته الى بيروت حيث يعمل، افضل من رواية ما يعرفه عن الشهيد على مسمع ركاب سيارة الأجرة الآخرين «رأيته اكثر من مرة يحمل صاروخ سام على كتفه، ويطلقه باتجاه الطائرات الاسرائيلية»، يقول مضيفاً: «كان الشهيد يزور اهل القرية، من كان منهم مريضا او تعرض لمصيبة. كان متواضعا وذا اخلاق حسنة... يجب ان يؤتى بأمثاله الى الحكم».
يعيد تفاصيل حادثة الاغتيال، ويردد: «عندما حمله قريب لنا الى المستشفى كان لا يزال حياً. فتح عينيه وقال: الآن وصلت. واغمضهما للمرة الأخيرة».
نصر الله: سنقطع ايدي عملاء الداخل
حمّل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله العدو الصهيوني مسؤولية اغتيال عوالي، إما بأيدي اسرائيليين تسللوا الى لبنان يجوازات سفر اوروبية او اميركية واجنبية، واما بأيدي عملاء لبنانيين محليين.
واكد ان الحزب سيقطع الأيدي الاسرائيلية وايدي العملاء في الداخل، معتبراً في تشييع عوالي ان لبنان «يملأه العملاء من الحدود الى الحدود»، مشيراً الى «تغطية سياسية للكثيرين منهم». وقال: «ارجو ألا يأتي يوم اضطر فيه الى تسمية أسماء كبار في لبنان يتصلون بالمحكمة العسكرية من اجل اطلاق سراح عملاء».
نبذة عن غالب محمد عوالي: